الجمعة، 23 نوفمبر 2012

4: فقه التنوير:


العلم نور.. والإيمان نور.. واكتسابهما الأسمى لا يتم إلا بالقرآن الذي هو بدوره نور من النور تعالى.. ثم بسنة النور محمد عليه الصلاة والسلام ..
وبعدها كل أنوار الممارسة الإسلامية والإيمانية والإحسانية.
ففقه التنوير الإسلامي :علم يهدف إلى الرفع من مستوى النهل من كل أنوار الإسلام :عبر العمق في تكوين العقل المسلم وتجديد فهمه على الدوام.. وذلك عبر تربية إيمانية إحسانية تسعى للشمول والكمال ..ولن يتأتى ذلك بانغلاقنا على علومنا الذاتية :بل لا بد من تفتح نقدي بناء على كل الفكر الإسلامي بل والعالمي :لمن كانت له مناعة من الإستلاب والإنبهار بفكر الآخر وحضارته.
ولهذا يبقى هدف فقه التنوير :
ليس تلقين معلومات فقط :بل محاولة الرفع من مستوى عقل المسلم ليكون عقلا استقرائيا منطقيا نقديا طبيعيا ذو ثقافة عالمية عالية:لأن هاته الصفات لا تجتمع في عقل إلا كان مجددا.
بشرط أن يكون الطالب ذو عقل مسدد على الدوام بالعمل الصالح .

ونعني بالعقل الإستقرائي : قدرته على قراءة المعلومة المكتوبة أو المخطوطة أو المرسومة أو المنحوتة أو الكونية إجمالا بكل دقة وبمنهج علمي سليم ..وهذا أساس متين من أسس الوصول لكنه الاشياء ودراستها حقيقة .
ونعني بالعقل المنطقي ذاك العقل القادر على تركيب نسقية فكرية صادقة وحقيقية ولا يمكن أن تكون أفكاره متناقضة...
ونعني بالعقل النقدي العقل القادر على استقراء أخطاء وهفوات الأفكار أو النسقيات الفكرية المغلوطة مهما حيك منطقها ..ولهذا فهو يبدأ دوما بنقد ذاتي لمنطقه أولا قبل الآخرين ..فالنقد أساس البحث عن الحقيقة ولهذا فهو عقل حواري يلتزم بكل شروط الحوار النزيه:
ـ حسن الإستماع ـ حسن الفهم ـ حسن الرد ـ حسن الإستفادة: بهدف الوصول للحقيقة ..مع إخلاص نية الحوار حتى لا يكون بناء لا هداما.
وذاك هو الجدال بالحسنى الذي أمر به الله تعالى" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن".
ونعني بالعقل الطبيعي ذاك العقل الذي لا يصادم الطبيعية كما العديد من الفلسفات الهدامة التي كانت وبالا على كل المخلوقات: بل عقل مسالم للكون ورب الكون.. وما دام الخطأ غير جائز في الطبيعة فكذاك هذا العقل يحاول دوما عدم الوقوع في الخطأ بكل أنواعه للوصول للحق والحقيقة:وبهذا يتجنب هذا العقل الطبيعي :
ـ الخطأ العلمي عبر الجدل المنطقي الإستقرائي مستنيرا دوما بعلوم الإسلام ومصادره كلها.
ـ والخطأ السلوكي :عبرالعمل الصالح. واجتناب كل النواهي مهما صغرت:ولهذا فهو ليس عقلا مجردا بعلم دون عمل: بل هو عقل مسدد بالعمل ..وكل عمل إنما هو علم جديد: ويثمر معاني علمية وسلوكات يتذوقها السالك بالعمل الصالح ولو لم يعبرعنها .. وبذلك يكون عقلا ذوقيا يحس ويشعر ويلمس المعاني لحد كماله بالإلهام والحكمة: وذاك هو العقل المؤيد بالواردات الربانية والإلهامات ..والذي هو عقل الكمل من أهل الإحسان.
فهدف فقه التنوير إذن هو تكوين عقل المسلم وتجديده على الدوام:بكل العلوم النافعة :وبفقه قلوب.وعمل صالح متواصل.

ويقبل كل المستويات :
الطالب ذو العقل المسلم المجرد
وذو العقل المسلم المسدد بالعمل
وذو العقل المومن المسدد بالعمل والذوق
ثم ذو العقل المحسن المؤيد بالإلهام والحكمة.
فما بداية فقه التنوير إذن وما أفقه؟
يبقى الغرض الأول هو المساهمة في إصلاح أزمة الفكر التي نعيشها كمسلمين على العديد من المستويات:
على المستوى الفردي : إذ هناك فهم ساذج وبسيط عن التدين والإسلام عند العديد من المسلمين :كرسته العديد من العوامل الداخلية والخارجية لحد الكلام عن بلادتنا الفكرية ..فالهدف الأول هو معالجة البلادة الفكرية وعلاقتنا الساذجة مع القرآن الكريم والحديث الشريف أولا .
على المستوي العلمي : فهناك تخلف فظيع لنا كمسلمين: وخصوصا عند بعض علمائنا في العلوم الشرعية:إذ هناك قصور كبير في معالجة مواضيع وعلوم العصر: لحد أن علوم القرآن لا زالت محبوسة في أدوات البحث فيه :ولهذا نحتاج إلى أسلوب بل وعلوم تجديدية في كل الشعب:وهذا على صعيد فكرنا الإسلامي لا فقهنا السني الذي والحمد لله منظم.. وبكل إحسان:

  وهذا التجديد بدأه والحمد لله بامتياز المفكرون الإسلاميون وكذلك العديد من الفقهاء ..لكن ينقص مستجدات فكرنا الإسلامي الضبط والتنظيم:في موسوعات علمية تجديدية متناسقة: لا ككتب سرعان ما تدفن في المكتبات . وهذا الترتيب الفكري سيجعل الفقيه يعود لعصره لا ريب:لأن هزيمتنا الحالية وللأسف هزيمة فكرية وعلمية..وفي آفاق علومنا الإسلامية: لا في أسسها وأصولها أوفي فقهيات سلفنا الصالح.
وهذان هما مستويا الغرض الأولي.. 
أما أفق فقه التنوير فهو :
تربية المسلم تربية شمولية حضارية تسعى للكمال والقدرة على التدافع على كل الواجهات:وذلك عبر تكوين علمي أساسي وتحضيري أولا في ما يعلم من الدين بالضرورة:
ثم التربية الروحية للمسلم ..وتوعيته بفقه القلوب
قبل تربيته على السلوك الحضاري....
ـ وللنبهاء بعدها التكوين الإيبستيمولوجي: للتفتح على كل المدارس الفكرية العالمية .
فهاته هي علوم الخطوات الأولى عندنا: نحو مسلم حقا حضاري متنور ..أما التكوين العالي في فقه التنوير:فيلزمه أذواق علم اليقين وحقائق الإيمان ثم فقه الحكمة كمادة تكميلية .
ولهذا أضحى فقه التنويرهذاعلما يعمد لتجديد فكر المسلم بكل حضارة :فالمسلم الحضاري مستقبلا هو البديل.والذي من الواجب عليه قبل كل هذا الإستئناس :
ـ بقواعد وأصول الفقه
ـ بقراءة عملية لكل فقه السنة وفقه السيرة ..
ونحبذ هنا أن يملك الطالب إن أمكن عقلا نقديا جدليا لا يقبل فكرة الآخرين ببساطة .مع إصراره دوما على البحث عن جوهر الفكرة وحقيقة بل وحقائق كل موضوع :حتى لا يقع في النفاق العلمي دون قناعاته الخاصة.
وهذا دوما بعقل مسدد بالأعمال:فالعلم بلا عمل يوقع الطالب في قوله تعالى " يقولون ما لا يفعلون " وهذا نفاق عملي والعياذ بالله .وكمادة كبرى لفقه التنوير كما ذكرنا هناك علم اليقين المذكور في قوله تعالى: " كلا لو تعلمون علم اليقين ..." : وهاته الأسس كلها لن تنبني لها أية آفاق دون البداية بدراسة المصطلحات القرآنية نحو فهم بياني على الأقل لإشارات قرآننا الحكيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق